نشأته
كان أنور السادات طفلا غير عادى بتخيله البعيد الذي يميزه عن أقرانه، وكانت والدته سودانية تدعى ست البرين تزوجها والده حينما كان يعمل مع الفريق الطبي البريطاني بالسودان، لكنه عاش وترعرع في قرية ميت أبو الكوم، أشار السادات إلى أن القرية لم تضع غشاوة على عقله، لكن كانت جدته ووالدته هما اللتان فتنتاه وسيطرتا عليه، وهما السبب الرئيسي في تكوين شخصيته. فقد كان السادات يفخر بأن يكون بصحبة جدته الموقرة، تلك الجدة التي كان الرجال يقفون لتحيتها حينما تكون مارة رغم أميتها، إلا إنها كانت تملك حكمة غير عادية، حتى أن الأسر التي كانت لديها مشاكل كانت تذهب إليها لتأخذ بنصيحتها علاوة على مهارتها في تقديم الوصفات الدوائية للمرضى.
وذكر السادات أن جدته ووالدته كانت تحكيان له قصصا غير عادية قبل النوم، لم تكن قصصا تقليدية عن مآثر الحروب القديمة والمغامرات، بل كانت عن الأبطال المعاصرين ونضالهم من أجل الاستقلال الوطني، مثل قصة دس السم لمصطفى كامل بواسطة البريطانيين الذين أرادوا وضع نهاية للصراع ضد احتلالهم لمصر، أنور الصغير لم يكن يعرف من هو مصطفى كامل، لكنه تعلم من خلال التكرار أن البريطانيين أشرار ويسمون الناس، ولكن كانت هناك قصة شعبية أثرت فيه بعمق وهى قصة زهران الذي لقب ببطل دنشواى التي تبعد عن ميت أبو الكوم بثلاث أميال، وتتلخص أحداثها في أن الجنود البريطانيين كانوا يصطادون الحمام في دنشواى، وأشعلت رصاصة طائشة الحريق في أحد أجران القمح، فاجتمع الفلاحون ليطفئوا الحريق، لكن أحد الجنود البريطانيين أطلق عليهم النار وهرب، وفى معركة تالية قتل الجندي، وحينئذ تم القبض على العديد من الناس وشكل مجلس عسكري بالساحة، وعلى وجه السرعة نصبت المشانق، كما تم جلد بعض الفلاحين وكان زهران هو أول من شنق، وكان من فرط شجاعته مشى إلى المشنقة برأس مرفوعة بعد أن قرر قتل أحد المعتدين في طريقه.
وانتهت جنة القرية بالنسبة للسادات مع رجوع والده من السودان، حيث فقد وظيفته هناك على أثر اغتيال سيرلى ستاك، وما ترتب على ذلك من سحب القوات المصرية من المنطقة. بعد ذلك انتقلت الأسرة المكونة من الأب وزوجاته الثلاث وأطفالهن إلى منزل صغير بكوبري القبة بالقاهرة وكان عمره وقتها حوالي ست سنوات، ولم تكن حياته في هذا المنزل الصغير مريحة حيث أن دخل الأب كان صغير للغاية، وظل السادات يعانى من الفقر والحياة الصعبة إلى أن استطاع إنهاء دراسته الثانوية عام 1936، وفى نفس السنة كان النحاس باشا قد أبرم مع بريطانيا معاهدة 1936، وبمقتضى هذه المعاهدة سمح للجيش المصري بالاتساع، وهكذا أصبح في الإمكان أن يلتحق بالكلية الحربية حيث كان الالتحاق بها قاصرا على أبناء الطبقة العليا، وبالفعل تم التحاقه بالأكاديمية العسكرية في سنة 1937، وهذه الأحداث هي التي دفعت السادات إلى السياسة